موضوع: ليالي ألف ليلة... أخت وزير هارون الرشيد والشاب العاشق الأحد أغسطس 14, 2011 3:03 pm
قالت شهرزاد : بلغني أيها الملك السعيد أن الخليفة هارون الرشيد قلق ذات ليلة فاستدعى وزيره جعفر البرمكي وقال له: صدري ضيق وأريد أن أتفرج في شوارع بغداد وأنظر في مصالح العباد بشرط أن نرتدي زي التجار حتى لا يعرفنا أحد، فأطاعه الوزير وخرج الخليفة وجعفر ومسرور السياف حتى وجدوا شيخاً جالسا في زورق فتقدموا إليه وقالوا له: يا شيخ إنا نشتهي أن تفرجنا في مركبك وخذ هذا الدينار أجرتك. قال لهم: من ذا الذي يقدر على الفرجة والخليفة هارون الرشيد ينزل في كل ليلة بحر الدجلة في زورق صغير ومعه مناد ينادي ويقول: يا معشر الناس كافة كل من نزل في مركب وشق الدجلة ضربت عنقه أو شنقته على صاري مركبه، فقال الخليفة وجعفر: يا شيخ خذ هذين الدينارين وادخل بنا قبة من هذه القباب إلى أن يروح زورق الخليفة، فقال لهم الشيخ: هاتوا الذهب والتوكل على الله تعالى.
عوم الشيخ بهم قليلاً وإذا بالزورق قد أقبل من كبد الدجلة وفيه المشاعل مضيئة، فقال الشيخ: أما قلت لكم أن الخليفة يشق في كل ليلة؟ ثم دخل بهم في قبة ووضع عليهم مئزر أسود وصاروا يتفرجون من تحت المئزر فرأوا في مقدم الزورق رجلاً بيده مشعل من الذهب الأحمر وفي الزورق مائتي مملوك واقفين يميناً ويساراً وبينهم جالس شاب كالقمر على كرسي من الذهب الأحمر وبين يديه إنسان كأنه الوزير جعفر وعلى رأسه خادم واقف كأنه مسرور وبيده سيف مشهور.
فلما رأى الخليفة ذلك قال: يا جعفر. لعل هذا واحد من أولادي إما المأمون وإما الأمين، ثم تأمل الشاب وهو جالس على الكرسي فرآه كامل الحسن والجمال، فلما تأمله قال للوزير: والله إن هذا الجالس لم يترك شيئاً من سكل الخلافة والذي بين يديه كأنك أنت يا جعفر والخادم الذي وقف على رأسه كأنه مسرور وهؤلاء الندماء كأنهم ندمائي.
ثم ذهب الزورق حتى غاب عن العين وخرج الشيخ بزورقه فسأله الخليفة: يا شيخ وهل الخليفة في كل ليلة ينزل دجلة؟ قال: نعم يا سيدي وله على هذه الحالة سنة كاملة. فقال الخليفة: يا شيخ نريد أن تقف لنا هنا الليلة القابلة ونحن نعطيك خمسة دنانير ذهباً فإننا قوم غرباء وقصدنا النزهة فقال له الشيخ: حباً وكرامة.
نهر دجلة
في الليلة التالية خرج هارون الرشيد ووزيره حتى وصلوا إلى الدجلة وجدوا الشيخ ينتظرهم، فنزلوا في المركب وما كادت تمضي ساعة حتى جاء زورق الخليفة الثاني، فقال الخليفة: خذ يا شيخ هذه العشرة دنانير وسر بنا في محاذاتهم فإنهم في النور ونحن في الظلام ولن يرونا، فمشي الشيخ بزورقه في محاذاتهم حتى وصلوا إلى البساتين.
لما وصلوا إلى البستان رسي زورق الشاب وإذا بغلمان واقفين ومعهم بغلة فطلع الخليفة الثاني وركبها، بينما سار هارون الرشيد وجعفر ومسرور إلى البر وشقوا بين المماليك وساروا أمامهم حتى رأهم حاملي المشاعل فأحضروهم بين يدي الخليفة الثاني، فسألهم: كيف وصلتم إلى هذا المكان وما الذي أتى بكم؟
قالوا: يا مولانا نحن قوم من التجار غرباء الديار وخرجنا نتمشى الليلة وإذا بكم قد أقبلتم فجاء هؤلاء وقبضوا علينا. فقال الخليفة الثاني: لا بأس عليكم لأنكم قوم غرباء ولو كنتم من بغداد لضربت أعناقكم، ثم التفت إلى وزيره وقال: إنهم ضيوفنا هذه الليلة.
ساروا حتى وصلوا إلى قصر كبير، ثم دخل الخليفة الثاني وجلس على كرسي مذهب ثم مدوا السماط وأكلوا وشربوا حتى تمكن الشراب من رأس الخليفة الثاني وجلساؤه ثم ضرب بقضيب في يده فإذا بباب فتح وخرج منه خادم وجارية أخذت تنشد الأشعار وتطربهم، فلما سمع الخليفة الثاني شعرها صرخ صرخة عظيمة وشق ملابسه فرأى هارون الرشيد على بدنه آثار ضرب مقارع فقال: يا جعفر والله إنه شاب مليح إلا انه لص قبيح. فقال جعفر: من أين عرفت ذلك يا أمير المؤمنين؟ فقال: أما رأيت ما على جنبيه من أثر السياط،؟
قال الرشيد: يا جعفر اسأله عن الضرب الذي على جنبيه. فقال جعفر للشاب: يا مولاي إن رفيقي أبصر على جنبيك ضرباً وأثر سياط ومقارع فتعجب من ذلك غاية العجب وقال: كيف يضرب الخليفة وقصده أن يعلم ما السبب؟ فلما سمع الشاب ذلك تبسم وقال: اعلموا أن حديثي غريب وأمري عجيب. أنا لست أمير المؤمنين وإنما سميت نفسي بهذا لأبلغ ما أريد من أولاد المدينة وإنما اسمي محمد علي بن علي الجواهري.
كان أبي من الأعيان فمات وخلف لي مالاً كثيراً وعقارات وحمامات وغيطان وبساتين وعبيد وجواري، وفي أحد الأيام كنت جالساً في دكاني وإذا بجارية قد أقبلت راكبة على بغلة وفي خدمتها ثلاث جوار كأنهن الأقمار. فلما قربت نزلت على دكاني وقالت لي: هل أنت محمد الجوهري؟ فقلت لها: نعم هو أنا مملوكك وعبدك. فقالت: هل عندك جوهر يصلح لي؟ وكان عندي مائة عقد من الجوهر فعرضت عليها الجميع فلم يعجبها شيء وقالت: أريد أحسن مما رأيت. وكان عندي عقد صغير اشتراه والدي بمائة ألف دينار ولم يوجد مثله عند أحد من السلاطين الكبار، فقلت لها: يا سيدتي بقي عندي عقد من الفصوص والجواهر لا يملك مثلها أحد من الأكابر. فلما رأته قالت: هذا الذي طول عمري أتمناه. ثم سألتني: كم ثمنه؟ فقلت لها: ثمنه على والدي مائة ألف دينار فقالت: ولك خمسة آلاف دينار فائدة فقلت: يا سيدتي العقد وصاحبه بين يديك ولا خلاف عندي.
ثم قامت وركبت البغلة بسرعة وقالت لي: تفضل صحبتنا لتأخذ الثمن. فأقفلت الدكان وسرت معها إلى أن وصلنا الدار فجلست على دكة، وإذا بجارية قالت لي: إن سيدتي تقول لك ادخل واجلس على باب الديوان حتى تقبض مالك، فقمت ودخلت البيت وجلست لحظة وإذا بالجارية التي اشترت مني العقد أسفرت عن وجه كأنه القمر والعقد في عنقها فطار عقلي من فرط حسنها وجمالها. فقالت لي: يا جوهري، اعلم أني أحبك وما صدقت أني أجيء بك عندي.
ثم سألتني: أتعلم من أنا؟ فقلت: لا والله يا سيدتي فقالت أنا السيدة دنيا بنت يحيى بن خالد البرمكي وأخي جعفر وزير الخليفة. فلما سمعت ذلك أحجمت بخاطري عنها، فقالت: لا بأس عليك ولا بد من بلوغك المراد بما يرضي الله فإن أمري بيدي والقاضي ولي عقدي والقصد أن أكون لك أهلاً وتكون لي بعلاً، ثم دعت بالقاضي والشهود، فلما حضروا قالت لهم: محمد الجوهري قد طلب زواجي ودفع لي هذا العقد في مهري وانا قبلت ورضيت فكتبوا كتابي عليها.
أقمت عندها شهراً كاملاً وتركت الدكان والأهل والأوطان فقالت لي يوماً: يا نور العين إني قد عزمت اليوم على المسير إلى الحمام فاستقر أنت على هذا السرير ولا تنتقل من مكانك إلى أن أرجع إليك، وحلفتني على ذلك فقلت لها سمعاً وطاعة ثم إنها حلفتني أني لا أنتقل من موضعي وأخذت جواريها وذهبت إلى الحمام، فو الله يا أخواني ما لحقت أن تصل إلى رأس الزقاق إلا والباب قد فتح ودخلت منه عجوز وقالت إن السيدة زبيدة تدعوك فإنها سمعت بأدبك وظرفك وحسن غنائك فقلت لها: والله ما أقوم من مكاني حتى تأتي السيدة دنيا.
فقالت العجوز: يا سيدي لا تجعل السيدة زبيدة تغضب عليك وتبقى عدوتك فقم كلمها وارجع إلى مكانك، فقمت وتوجهت إليها، فلما وصلت إليها قالت لي: هل أنت معشوق السيدة دنيا؟ فقلت: أنا مملوكك وعبدك، فقالت: صدق الذي وصفك بالحسن والجمال والأدب، ولكن غن لي حتى أسمعك. فقلت: سمعاً وطاعة، فأتتني بعود فغنيت.
لما فرغت من الغناء قالت لي: أصح الله بدنك وطيب أنفاسك فقم وامض إلى مكانك قبل أن تجيء السيدة دنيا فلا تجدك فتغضب عليك، فخرجت من عندها وجئت إلى السرير، فوجدت زوجتي قد عادت ونائمة على السرير فقعدت عند رجليها وكبستها ففتحت عينيها ورفستني ورمتني من فوق السرير وقالت لي: يا خائن خنت اليمين وحنثت فيه ووعدتني أنك لا تنتقل من مكانك وأخلفت الوعد وذهبت إلى السيدة زبيدة والله لولا خوفي من الفضيحة لهدمت قصرها على رأسها، فتقدم عبد وشرط من ذيله رقعة وعصب عيني وأراد أن يضرب عنقي.
فقامت إليها الجواري وقلن لها: يا سيدتنا ليس هذا أول من أخطأ وهو لا يعرف خلقك وما فعل ذنباً يوجب القتل. فقالت: والله لا بد أن أعمل فيه أثراً. ثم أمرت أن يضربوني فضربوني على أضلاعي، وهذا الذي رأيتموه أثر ذلك الضرب ثم أمرت بإخراجي فأخرجوني ورموني فحملت نفسي ومشيت قليلاً حتى وصلت إلى منزلي.
لما شفيت جئت إلى الدكان وأخذت جميع ما فيه وبعته وجمعت ثمنه واشتريت لي أربعمائة مملوك وصار يركب معي منهم في كل يوم مائتان وعملت هذا الزورق وصرفت عليه خمسة آلاف دينار من الذهب وسميت نفسي بالخليفة وناديت كل من يتفرج في الدجلة ضربت عنقه بلا مهلة ولي على هذه الحال سنة كاملة، وأنا لم أسمع لها خبراً ولم أقف لها على أثر، ثم بكى.
فلما سمع هارون الرشيد كلامه وعرف لوعته وغرامه، أضمر له على الإنصاف. ثم انصرفوا من عنده سائرين إلى محل الخلافة، فقال الخليفة لجعفر: يا وزير، علي بالشاب الذي كنا عنده في الليلة الماضية، فتوجه إليه وقال له: أجب أمير المؤمنين الخليفة هارون الرشيد فسار معه إلى القصر، ولما دخل على الخليفة قبل الأرض بين يديه، فتبسم الخليفة في وجهه ورد عليه السلام وأجلسه بين يديه بعد أن علم أن الصبي عاشق فقال له: أتحب أن أردها عليك؟ قال: هذا من فضل أمير المؤمنين.
فالتفت الخليفة إلى الوزير وقال له: يا جعفر أحضر لي أختك دنيا بنت الوزير يحيى، فقال: سمعاً وطاعة يا أمير المؤمنين، ثم أحضرها فلما تمثلت بين يديه سألها الخليفة: أتعرفين من هذا؟ قالت: يا أمير المؤمنين من أين للنساء معرفة الرجال؟ فتبسم الخليفة وقال: يا دنيا هذا حبيبك محمد بن علي الجوهري وقد عرفنا الحكاية من أولها إلى آخرها. فقالت: يا أمير المؤمنين كان ذلك في الكتاب مسطوراً وأنا أستغفر الله العظيم مما جرى مني وأسألك العفو عني. فضحك الخليفة هارون الرشيد وأحضر القاضي والشهود وجدد عقدها على زوجها محمد بن علي الجوهري وحصل لها وله سعد السعود وإكماد الحسود..!
ليالي ألف ليلة... أخت وزير هارون الرشيد والشاب العاشق